في ظل سماء ملبّدة بأحزان أهالي إقليم بركان (مواطنين ومسؤولين)، تحوّلت مأساة الفقيدة يسرى تغمدها الله بواسع رحمته، التي خطفتها مياه الأمطار الغزيرة إلى غمرة بالوعة صرف صحي مكشوفة، إلى صرخة مدوّية تعكس واقع البنية التحتية الهشة، وتكشف في الوقت ذاته عن وجهٍ قبيح للاستغلال السياسي الذي لا يرحم جراح ومعاناة الضحايا، فبعد ساعاتٍ طويلة من البحث المضني، شاركت فيه سواعد أبناء دوار جابر وكلّ ساكنة بركان، جنبًا إلى جنب مع الأجهزة الأمنية والترابية (الإدارة الترابية، الأمن الوطني بمختلف مصالحها، الدرك الملكي، القوات المساعدة، والوقاية المدنية)، انتهت المأساة بخسارة روحٍ بريئة، لتنفجر بعدها مشاعر الغضب العادلة مطالبةً بالمحاسبة وتحسين الخدمات المرفقية الأساسية. لكنّ المشهد لم يخلُ من دخان المزايدات السياسية التي حوّلت الجرح المجتمعي إلى منصّة للصراعات الضيقة.
لقد عبّرت ساكنة بركان، بكلّ شرائحها، عن سخطها المشروع تجاه تقصيرٍ أدّى إلى ماساة إنسانية، وهو غضبٌ تتفهّمهُ كلّ الضمائر الحيّة، فالمطالبة بتحمّل المسؤولية وإصلاح البنية التحتية ليست فقط حقًا، بل واجبٌ تُلزمُه مبادئ العدالة المجالية والاجتماعية، لكنّ ما يُثير الاستنكار هو تحوّل بعض الأصوات ،خاصةً تلك البعيدة عن جغرافية المعاناة، إلى بوقٍ لإثارة الفوضى عبر خطابٍ إعلامي مُغرض، يعتمد على معطيات مزيّفة، مثل ادّعاءات صرف “80 مليار” على التأهيل الحضري، وهي أرقامٌ لا تستند إلى أيّ سند واقعي، بل تُستخدم لتضخيم الأزمات وخلق انطباعٍ زائف بعدم الجدوى، في محاولةٍ لطمس الجهود الحثيثة التي تبذلها المؤسسات المعنية في إصلاح الأوراش التنموية.
الأكثر إيلامًا هو انخراط سياسيين لا يعرفون إقليم بركان إلا في مواسم الاقتراع، في سباقٍ مَرَضيّ للركوب على موجات الحزن، عبر تصريحاتٍ استعراضية تخلط بين المطالبة بالحقوق وزرع الفتنة، فهؤلاء، بدلًا من تقديم مقترحات عملية أو الوقوف إلى جانب الأسر المتضرّرة، يختارون تضخيم الألم لخدمة أجنداتهم، مُتجاهلين أن مثل هذه التصرّفات لا تُهدّد روح التضامن المجتمعي فحسب، بل تُعطّل السير الطبيعي للإصلاحات القائمة، وتُحوّل المأساة إلى سلعة رخيصة في سوق المصالح الضيقة.
إنّنا، ونحن ننطلق من مبدأ المسؤولية الإعلامية، نندّد بشدّة بكلّ من يسعى إلى استغلال المآسي الإنسانية لتحقيق مكاسب آنية، سواءً عبر نشر الشائعات أو تشويه صورة العمل المؤسساتي الجاد، كما نذكّر بأنّ حلّ أزمات البنية التحتية يتطلّب تظافر الجهود بين السلطات والمواطن والمنتخبين، بعيدًا عن لغة التهريج السياسي. فإقليم بركان، مثله مثل باقي الأقاليم، يحتاج إلى خطط استباقية وشفافية في التدبير، وليس إلى خطاباتٍ نارية تزيد الواقعَ التهابًا.
ختامًا، فإنّ احترام روح الطفلة يسرى يقتضي من الجميع التوقّف عن استغلال آلام عائلتها، والتحلّي بالمسؤولية الوطنية، فالأزمات وحدها تكشفُ حقيقة الأوطان والأشخاص، ولن تكون بركان إلا أقوى بإرادة أبنائها الصادقين، وبإصلاحٍ يُحاك بعيدًا عن ضجيج المزايدين.