في ظلّ موجة متصاعدة من الحملات المُمنهجة التي تستهدف تشويه صورة المؤسسات القضائية المغربية، تبرز الحاجة إلى تسليط الضوء على صلابة المنظومة القضائية في مواجهة ثقافة الاسترزاق الإلكتروني التي تُوظف القضايا الجنائية ذائعة الصيت خاصة تلك المرتبطة بوجوه إعلامية أو حقوقية لخلق سرديات مُضللة، فكلّما اشتعلت قضية تُلامس الرأي العام، تُحوَّل بسرعة إلى معركة افتراضية لطعن هيبة القضاء، ووصمه بالتبعية أو الانحياز، في محاولة لتفكيك الثقة المجتمعية بمؤسسة تُعدّ عماد الدولة القانونية.
1- بين الواقع والافتراء.. محاكمات الضجيج لا تعكس حقيقة المنظومة القضائية المغربية
لا يُنكر أحد أن القضاء المغربي، كغيره من الأنظمة القضائية العالمية، يواجه تحديات في تدبير بعض الملفات ذات الحساسية الإعلامية، لكنّ تحويل كل قضية إلى مسرحية اتهامات ضدّ القضاة ووكلاء الملك عبر تصويرهم كمخلوقات تتجاهل القانون يُشكل انتهاكا صارخا لمبدأ فصل السلط، واستخفافا بإجراءات التقاضي التي تقوم على الضمانات القانونية. فالمحاكم المغربية تنظر سنويًا في آلاف القضايا الجنائية المماثلة، لكنّ التركيز الإعلامي المُبالغ فيه على بعضها عبر خطاب تحريضي قائم على الضحك على الذقون، يُحوّل الحوار من نقاش موضوعي حول العدالة إلى معركة استقطاب تستهدف الإساءة للمؤسسة نفسها.
2- النيابة العامة… صرامة الإجراءات وقوّة القانون في مواجهة أدسنس التشويه
تكشف النيابة العامة المغربية، كممثل للدعوى العمومية، عن احترافية عالية في التعامل مع الملفات الشائكة، فالإجراءات القضائية بدءًا من التحقيق الأولي وصولًا إلى المحاكمة تخضع لمراجعة متعددة المستويات، مع التزام صارم بمبدأ قرينة البراءة وحقوق الدفاع، ومع ذلك، يتم تجاهل هذه التفاصيل الجوهرية لصالح خطاب مختزل يختزل القضاء في صورة المأمور الذي ينفّذ أوامر غير مرئية، في تناقض صارخ مع استقلالية السلطة القضائية التي يكفلها الدستور المغربي.
3- تفكيك الظاهرة… من يستفيد من تحويل القضاء المغربي إلى عدو افتراضي؟
وراء هذه الحملات تكمن مصالح ضيقة لـمافيات الاسترزاق الرقمي التي تُحوّل القضايا إلى سلعة للمُضاربة الإعلامية، عبر صناعة محتوى مُغرض يلبس عباءة النقد وهو أبعد ما يكون عنه، كما تُشير تحليلات كثيرة إلى تورط جهات خارجية في دعم هذه الحملات، كجزء من حروب هجينة تستهدف زعزعة استقرار المؤسسات الحيوية للمملكة المغربية، وهنا يبرز تناقضٌ لافت، فالمتشددون في اتهامهم للقضاء بـالانحياز هم أنفسهم من يمارسون أقصى درجات الانحياز عبر انتقائية واضحة في تغطية القضايا وتسليط الضوء عليها من زاوية مؤدلجة، وتضخيم التهويلات كلما تعلق الأمر بشخصيات تخدم أجنداتهم…
4- الثقة في القانون… طريق استعادة المناعة المجتمعية
القضاء المغربي ليس معصوما من الخطأ، لكن إصلاح أي خلل (إذا وجد) يجب أن يمر عبر الآليات القانونية والدستورية، لا عبر محاكم اليوتيوب والفايسبوك التي تحكم بالعاطفة وتكافئ الإثارة، إن الدعوة إلى ترك القضاء المغربي يقول كلمته ليست دفاعا عن قداسة المؤسسات، بل إيمانا بحتمية سيادة القانون الذي يجب أن يظلّ أعمى أمام الأضواء والشهرة الزائفة، فالمملكة المغربية اليوم، تحت القيادة الرشيدة والحكيمة لمولانا صاحب الجلالة الملك محمد السادس، القاضي الأول ورئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية، تؤكد دومًا أن حماية العدالة بجميع مؤسساتها من التشويه، مسؤولية وطنية تتطلب يقظة جماعية ضدّ سموم التضليل.