يستعد الشعب المغربي، ومعه أسرة المقاومة وجيش التحرير، للاحتفال يوم غد الجمعة بذكرى معركة الدشيرة المجيدة، التي تصادف الذكرى 49 لجلاء آخر جندي أجنبي عن الأقاليم الجنوبية، في أجواء يملؤها الفخر والاعتزاز، مجسدين من جديد روح التعبئة الوطنية واليقظة المتواصلة تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس.
ملحمة بطولية ومسار نضالي حافل
تمثل معركة الدشيرة إحدى المحطات المشرقة في سجل المقاومة المغربية، حيث خاض خلالها جيش التحرير بالجنوب المغربي مواجهات بطولية ضد الاحتلال الأجنبي، مبرزًا مدى التلاحم الوثيق بين العرش والشعب في مسيرة استكمال الوحدة الترابية.
وقد جاءت هذه المعركة لتكمل جهود التحرير التي توجت بعودة المغفور له محمد الخامس من المنفى وإعلان الاستقلال سنة 1955، ثم استرجاع إقليم طرفاية سنة 1958، ومدينة سيدي إفني عام 1969، إلى أن تحقق النصر الأكبر بمسيرة 6 نونبر 1975 الخضراء، التي مكنت المغرب من استرجاع الأقاليم الجنوبية وإنهاء الوجود الاستعماري بالصحراء المغربية.
تضحيات جسام في سبيل الحرية والوحدة
خاض المغرب كفاحا مريرا ضد الاستعمارين الفرنسي والإسباني، حيث ظل الاحتلال الأجنبي جاثمًا على أجزاء من التراب الوطني قرابة نصف قرن، مقسمًا البلاد إلى مناطق نفوذ مختلفة.
غير أن الإرادة الراسخة للعرش والشعب، والإيمان بعدالة القضية، جعلا المغاربة يتشبثون بوحدتهم ويواصلون معارك التحرير، رغم محاولات المستعمر فرض التقسيم.
وقد توج هذا المسار النضالي بالمسيرة الخضراء التي أبدعها المغفور له الحسن الثاني، وكانت نموذجًا في النضال السلمي والحكمة السياسية، مكنت المغرب من استعادة أراضيه دون إراقة الدماء.
الذكرى تجدد التأكيد على مغربية الصحراء
ويشكل تخليد هذه الذكرى فرصة متجددة لتأكيد مغربية الصحراء، ورفض كل المناورات التي تستهدف الوحدة الترابية للمملكة. فقد واصل المغرب، بقيادة جلالة الملك محمد السادس، تثبيت سيادته على أقاليمه الجنوبية، حيث حصد اعترافات دولية متزايدة بدعم مبادرة الحكم الذاتي، التي اعتبرتها العديد من القوى الدولية الحل الأكثر جدية ومصداقية لإنهاء النزاع المفتعل.
وفي هذا الإطار، جددت فرنسا دعمها الصريح لسيادة المغرب على الصحراء، حيث أكد الرئيس إيمانويل ماكرون، خلال زيارته الرسمية للرباط في أكتوبر 2024، أن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هو المرجع الأساسي لحل هذا النزاع، مشددًا على أن فرنسا ستعمل على تعزيز هذا التوجه في الهيئات الدولية.
فعاليات احتفالية وبرامج تخليد الذكرى
وبهذه المناسبة، سطرت المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير برنامجا حافلا بالأنشطة في الأقاليم الجنوبية، يشمل مهرجانات خطابية، وندوات فكرية، إلى جانب تكريم قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، وتقديم مساعدات اجتماعية لفائدتهم، تكريمًا لتضحياتهم في سبيل الوطن.
كما سيتم تنظيم أنشطة تربوية وثقافية وتواصلية مع الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير، في مختلف فضاءات الذاكرة التاريخية المنتشرة عبر ربوع المملكة، وذلك بتنسيق مع القطاعات الحكومية والهيئات المنتخبة ومنظمات المجتمع المدني.
إن تخليد ذكرى معركة الدشيرة وجلائها عن الأقاليم الجنوبية، ليس مجرد احتفال تاريخي، بل هو رسالة للعالم بأن المغرب سيظل متشبثًا بوحدته الترابية، وماضٍ بثبات في مسيرة التنمية والتحديث، تحت القيادة الحكيمة لجلالة الملك محمد السادس، ليظل الوطن موحدًا، آمنًا، ومزدهرًا من طنجة إلى الكويرة.