في خطوة لافتة لاقت قبولا واسعاً على المستويين الشعبي والسياسي، أعلن ملك البلاد إلغاء شعيرة عيد الأضحى لهذه السنة، وبحسب العديد من القراءات فإن قرار ملك البلاد يستند إلى أبعاد إنسانية واقتصادية، القرار، الذي قد يفهم بادئ الأمر كإجراء استثنائي في ظل الأزمات، يحمل في طياته دلالاتٍ أعمق تُلامس جوهر العلاقة بين السيادة والمواطن، وبين التقصير الحكومي في تحقيق الاكتفاء الذاتي والمحاسبة.
لا يمكن اليوم فصل قرار إلغاء عيد الاضحى عن السياق الاقتصادي والاجتماعي المعاش، حيث تعاني شريحة واسعة من المواطنين من تبعات ارتفاع الأسعار نتيجة التضخم وتراجع القدرة الشرائية، ما يجعل التضحية بالأضحية عبئا ثقيلاً على الأسر محدودة الدخل وهنا، يبرز البعد الإنساني في القرار الملكي السامي كـواقية اجتماعية تحمي الفئات الهشة من التدهور الاجتماعي، وتعيد ترتيب أولويات الدولة الحكيمة نحو ضمان الكرامة المعيشية قبل الالتزام بالشعائر ذات التكلفة العالية، هذا ويشير القرار إلى وعي المؤسسة السيادية بتحوُّلِ هَمِّ المواطن من تأمين الأضحية إلى تأمين لقمة العيش وهو تحوُّلٌ يعكس تراجعا نسبيا في السياسات العمومية المرتبطة بالدعم الاجتماعي… وفي هذا الصدد، يَرفع القرارُ سقفَ المساءلةِ عن الأوضاع المعيشية نحو الجهات التنفيذية، ويُحوِّلُ العيدَ من طقسٍ دينيٍ إلى جرس إنذارٍ حول ضرورة مراجعة سلم الأولويات والحد من الفوارق الترابية والمجالية…
إذا كان الجانب الإنساني واضحاً في القرار، فإنّ الجانب التدبيري يَستدعي قراءةً أكثرَ تعمقاً في ملفّ “المغرب الأخضر”، الذي تحوَّل عن أهدافه الأصلية نحو مشاريعَ قد يطلق عليها مجازاً “المخطط الاصفر الجاف”، فالقرار الملكي، بهذا المعنى، ليس مجرد تعليقٍ لشعيرةٍ دينية، بل هو رسالة موجهة للمؤسسات الوصية على القطاع الفلاحي، فالربطَ الواضح بين إلغاء عيد الاضحى وإهدار مخطط المغرب الأخضر يُعيد تأكيدَ دور المؤسسة الملكية كـضامنٍ وحامٍ للمصالح الاستراتيجية للدولة، وكـقاضٍ أعلى يُحاسب كلّ من تراخى في اداء مهامه وتجاوز الخطوط الحمراء…
إن قرار إلغاء شعيرة عيد الأضحى هذه السنة، وإن بدا ظاهرياً استجابةً لظرفٍ طارئ، إلّا أنّه يندرج ضمن رؤيةٍ سياديةٍ طويلةِ المدى، تجمع بين حِسٍّ إنسانيٍ يُدرك أنَّ التخفيفَ عن كاهل المواطن هو غايةُ الحكم، وإرادةٍ سياسيةٍ لا تتهاونُ في محاسبةِ كلِّ من يعبثُ بثروات البلاد، وهو بهذا المعنى، يُرسي سابقةً تاريخيةً في الربط بين الملفات الدينية والاقتصادية، وكأنَّ الملكيةَ تُذكِّرُ الجميعَ بأنَّ “السيادةَ الحقيقيةَ” هي التي ترفُضُ أن تكونَ الشعائرُ ستاراً عن التجاوزات، أو أن تكونَ الأضحيةُ ثمنَها معاناة المواطن.