في وقت تتطلع فيه طنجة إلى تجديد مشروعها الحضري بما يليق بثقلها الاقتصادي وموقعها الاستراتيجي، تبرز أصوات اعتادت اختزال العمل العام في شعارات فارغة وتحميل المؤسسات العمومية مسؤولية إخفاقات ذاتية متراكمة. حيث أن إدارة المدن الكبرى ليست مهنة لمن يتقن الحديث فقط، بل لمن يملك القدرة على التخطيط، التدبير، وإحداث تغيير ملموس، وهي معايير أثبتت التجربة أن البعض لا يرقى إليها.

من يتابع أداء بعض المسؤولين المحليين، يصطدم بمفارقة لافتة: أولئك الذين فشلوا في تدبير أبسط الملفات اليومية المرتبطة بالشأن العام المحلي، أصبحوا فجأة نقادا شرسين لمؤسسات تشتغل ضمن معادلة دقيقة تجمع بين التعمير والتنمية والاستثمار. مشهد يعيد للأذهان المثل المغربي العميق: “اللي ما قاد على داره، ما يقاد على دار الناس.”

تجربة المحجز الجماعي بطنجة تعد مثالا صارخا على هذا الفشل. فعندما يعجز منتخب عن ضمان الحد الأدنى من الرعاية لمجموعة من الخيول كانت تحت حماية الجماعة، فإن الأمر لا يتعلق بزلة عابرة، بل بإخفاق بنيوي عميق يكشف عن غياب ثقافة تحمل المسؤولية، ويضعف الثقة في قدرته على تدبير ملفات أكثر تعقيدا كملفات التهيئة الحضرية أو الاستثمار العقاري.

وبدل أن يشكل هذا الفشل مدخلا لمراجعة الذات وإصلاح الخلل، اختار البعض الهروب إلى الأمام، عبر إطلاق اتهامات مجانية ضد مؤسسات قائمة، تحرص على أداء مهامها ضمن شروط قانونية دقيقة وصارمة. الوكالة الحضرية بطنجة، التي تشتغل بقيادة مديرة مشهود لها بالكفاءة والتجربة، أصبحت فجأة هدفا لحملات ضغط بائسة تخفي خلفها أجندات شخصية أكثر مما تعبر عن رغبة حقيقية في الإصلاح.

لقد شهدت العلاقة بين مختلف المؤسسات والوكالة الحضرية سلاسة وشفافية في معالجة الملفات، حيث أبانت المديرة الحالية عن مهنية عالية، سواء في تسهيل مساطر الرخص، أو في مراجعة الملفات التقنية، أو في احترام قواعد الاشتغال المؤطرة بالقانون. غير أن بعض من اعتاد الالتفاف على المساطر وجد نفسه اليوم أمام باب واحد مغلق في وجه الممارسات الملتوية: باب القانون، ما دفعه إلى محاولة الضغط بأساليب لم تعد تنطلي على أحد، تحت غطاء الدفاع عن الصالح العام.

واقع الحال أن من فشل في تدبير محجز بلدي بسيط، لا يمكنه أن يقدم دروسًا في تسيير ملفات الاستثمار وإدارة وثائق التهيئة. طنجة، التي تواجه تحديات معقدة في مجالها الحضري، لا تحتمل المزيد من العبث السياسي ولا الشعارات الشعبوية. إنها تحتاج إلى إرادة حقيقية لتجاوز الأعطاب البنيوية، وإلى كفاءات تشتغل بمنطق الدولة لا بمنطق الصراعات الصغيرة.

إن الهجوم المجاني على الوكالة الحضرية وعلى مديرة مشهود لها بالكفاءة والمهنية، لا يمكن تفسيره إلا كجزء من محاولة مكشوفة لصرف الأنظار عن إخفاقات شخصية متكررة. فالدولة الحديثة، كما هو معروف، لا تدار بالصراخ ولا بالاتهامات المجانية، بل تبنى بالكفاءات والنتائج. والوكالة الحضرية اليوم، تحت قيادة محاسن بركة، تواصل، رغم الإكراهات، إعادة التوازن لمشاريع التهيئة والتعمير، في مواجهة لوبيات المصالح الذين اعتادوا اختراق المؤسسات بالعلاقات لا بالكفاءة.

المعجب من ذلك أن الذين يحاولون اليوم انتقاد أداء الوكالة الحضرية ومديرتها، هم أنفسهم الذين ارتبطت أسماؤهم بفشل ذريع في إنجاز برنامج عمل الجماعة، وأثبتت تجربة تدبيرهم للمحجز الجماعي عجزا فادحا. بل إن دخولهم إلى المشهد السياسي لم يكن إلا على حساب من استقطبهم وفتح لهم الأبواب، قبل أن ينقلبوا عليه في أول فرصة، مما يطرح علامات استفهام حقيقية حول أخلاق الالتزام السياسي لديهم.

فكيف لمن انقلب على أستاذه السياسي أن يرشق بالكلام مسؤولة لم يعرف عنها إلا النزاهة والانضباط؟

لقد أصبح المواطن الطنجاوي اليوم أكثر وعيا بما يدور في كواليس العمل الجماعي. لم تعد تنطلي عليه محاولات تحويل النقاش العمومي إلى زوبعات شخصية، ولا محاولات القفز على الحقائق عبر المنصات الاجتماعية. المواطن يرى بعينه أن مدينته تغرق في ظلام الحفر والشوارع المتضررة، ويعرف جيدًا من يشتغل بجد في الميدان ومن يكتفي بالتنظير العقيم.

وفي نهاية المطاف، المشهد لا يحتاج لكثير من التحليل: من عجز عن توفير الإنارة لحي صغير، أو عن صيانة مرفق عام متواضع، لا يمكنه أن يطمح إلى لعب أدوار أكبر مما تحتمل قدراته.

طنجة اليوم تحتاج إلى مسؤولين يشتغلون على الأرض، لا إلى باحثين عن الأضواء. إلى عقول تفكر في مستقبل المدينة، لا في كيفية تسجيل النقاط الإعلامية السريعة. إلى رجال ونساء يعرفون أن الإنجاز وحده هو الرد الحقيقي على كل ادعاء.

إن الدولة، كما علمتنا تجارب التاريخ، لا تسمع لصوت الضجيج، بل تتقدم مع الذين يفهمون منطق البناء، يشتغلون بصمت، ويؤمنون أن العمل الجاد هو السبيل الوحيد لتغيير الواقع.

ولا شك أن من يحاولون اليوم الضغط على مسؤولة مشهود لها بالكفاءة والنزاهة، لا تحركهم نوايا إصلاحية حقيقية، بل تدفعهم رغبات شخصية خفية ستكشف الأيام مآربها الحقيقية.

شاركها.
اترك تعليقاً