في الخامس والعشرين من شهر أبريل، يصادف اليوم العالمي للأرض، وهو مناسبة سنوية للتأكيد على أهمية حماية كوكبنا الذي يئن تحت وطأة التغيرات المناخية المتسارعة. تتجلى هذه التغيرات في صور متعددة كالجفاف والفيضانات والإجهاد المائي وارتفاع درجات الحرارة، مما يستدعي تضافر الجهود لحماية التنوع البيولوجي والنظم البيئية وضمان مستقبل مستدام وعادل للأجيال القادمة.
وفي هذا السياق، يشدد الخبراء على ضرورة الانتقال من مجرد الوعي بالتحديات البيئية إلى العمل الجماعي الملموس. ويؤكد رشيد مصدق، الباحث الرئيسي بالمعهد الوطني للبحث الزراعي ورئيس الشراكة العالمية للتربة التابعة لمنظمة الفاو، أن يوم الأرض هذا العام يحمل رسالة ملحة مفادها أن “الوقت قد حان للعناية بكوكبنا” من خلال تحرك سريع ومشترك ومستدام، بدل الاكتفاء بالدعوة إلى حمايته.
ويحذر مصدق من أن “أمنا الأرض تتعرض للاستنزاف، مما يخل بالتوازن البيئي بشكل كامل”. لمواجهة هذه الحالة الطارئة، يرى الباحث أن الأولوية تكمن في حماية واستعادة النظم البيئية الطبيعية عبر تعزيز المناطق المحمية، ومكافحة إزالة الغابات، وإصلاح الأراضي الغابوية المتدهورة، وتشجيع الإدارة المستدامة للغابات.
ويعرب عن أسفه للإهمال الذي غالباً ما يطال التربة، على الرغم من أهميتها القصوى باعتبارها أساس الحياة والتنوع البيولوجي والأمن الغذائي ودورة المياه. ويكشف أن أكثر من ثلث أراضي العالم تعاني حالياً من التدهور.
ولعكس هذا الاتجاه المقلق، يدعو مصدق إلى تبني ممارسات زراعية مستدامة مثل الزراعة الحافظة، وتغطية التربة بالنباتات، ومكافحة التعرية والملوحة. كما يؤكد على الدور الحيوي لصحة التربة في تخزين الكربون، وتنقية المياه، وتغذية النظم البيئية، بالإضافة إلى أهمية الحفاظ على التنوع البيولوجي.
وفي إطار مواجهة هذه التحديات، أطلق المغرب العديد من المبادرات الفلاحية الإيكولوجية الطموحة، أبرزها مشروع تحويل مليون هكتار من أراضي الحبوب إلى الزراعة الحافظة بحلول عام 2030 ضمن استراتيجية “الجيل الأخضر”. وقد تعزز هذا التوجه بإعلان الرباط الصادر عن المؤتمر الإفريقي الثالث للزراعة الحافظة في يونيو 2023، والذي يؤكد التزام المملكة بتعزيز ممارسات فلاحية مستدامة كالحرث المباشر وتدوير المحاصيل والتغطية الدائمة للتربة بهدف استعادة خصوبتها وتحسين إدارة المياه وتعزيز القدرة على التكيف مع تغير المناخ.
ويختتم الخبير البيئي بالإشارة إلى أن المغرب، بالاعتماد على البحث العلمي والشراكات القوية والسياسات الاستباقية، يتبوأ مكانة رائدة في مجال الزراعة المستدامة في أفريقيا. ويرى أن هذه المبادرة تقدم نموذجاً ملهماً للدول الأخرى التي تواجه تحديات مماثلة، وتثبت إمكانية تحقيق التوازن بين الإنتاجية الزراعية والحفاظ على البيئة، مؤكداً على مقولة فرانسوا مورياك بأن “لا فائدة للإنسان من غزو القمر، إذا كان سيفقد الأرض”.