في وقتٍ تحاول فيه شركة “أوراكل” التخفيف من وطأة الأزمة، تتوالى المعطيات التقنية لتؤكد أن الاختراق الذي طال أنظمتها السحابية ليس مجرد خلل عابر، بل تسريب خطير يهدد أكثر من 140 ألف زبون حول العالم، من ضمنهم مؤسسات مغربية استراتيجية تعتمد على بنيات “Oracle Cloud”. من بين هذه المؤسسات: ميناء طنجة المتوسط، وزارة الشغل، الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، مؤسسات بنكية، وأخرى جامعية.
رغم نفي “أوراكل” العلني لأي خرق لخدماتها السحابية، فقد اعترفت في الخفاء لبعض عملائها بتعرض ما يسمى بـ”Oracle Classic” لهجوم سيبراني، وهي بيئة تكنولوجية مرتبطة بخدماتها السابقة. خبراء في الأمن السيبراني اعتبروا هذا السلوك تلاعبًا لغويًا يهدف إلى التنصل من المسؤولية القانونية، لا سيما وأن البيانات المتسربة تتضمن مفاتيح تشفير، كلمات مرور مشفرة، بيانات LDAP، وأنظمة مصادقة موحدة SSO. هذا النوع من التسريبات، حسب المتخصصين، يعني أن مؤسسات بأكملها معرضة للنفاذ الكامل إلى شبكاتها الداخلية.
في المغرب، برز اسم ميناء طنجة المتوسط ضمن لائحة المؤسسات المتضررة، إلى جانب CNSS، الذي يحتفظ بمعطيات أكثر من مليوني أجير، ومؤسسات مالية كبرى مثل بنك المغرب وCIH Bank. الأمر لم يعد يتعلق بتسريب معطيات فقط، بل احتمال اختراق لبنيات كاملة، قد يشمل أنظمة المصادقة والتحكم الداخلي
هذا الواقع أعاد طرح سؤال الكفاءات، فالمملكة تعاني منذ سنوات من نزيف في الموارد البشرية المؤهلة في مجال الأمن السيبراني، مع توجه أبرز مهندسيها نحو الخارج، خاصة كندا وفرنسا. في المقابل، تعتمد العديد من المؤسسات الوطنية على حلول تكنولوجية جاهزة دون توفر الحد الأدنى من الكفاءات لتحصينها أو حتى فهم المخاطر التي قد تنتج عنها.
ومع تصاعد المخاطر، يبدو أن الحل لا يكمن في ترقيع الأنظمة، بل في مراجعة شاملة للمنظومة الرقمية. ففي زمن تقنيات Web3 وسلاسل الكتل (البلوكتشين)، ما زالت معظم المؤسسات المغربية تشتغل ببنى تقليدية مركزية، مفتوحة على احتمالات الاختراق.
إذا ثبت تسريب بيانات الدخول الموحد ومعطيات LDAP، فإن المؤسسات المعنية مطالبة بإجراء تدقيق شامل وفوري، لتفادي الوصول إلى مرحلة الاختراق الأفقي داخل أنظمتها.
اليوم، بات واضحًا أن الملف لم يعد تقنيًا فقط، بل شأن سيادي يستدعي قرارًا سياسيًا واضحًا. الكرة في ملعب الدولة: إما وضع الأمن الرقمي ضمن أولويات السياسات العمومية، أو الاستمرار في تجاهل الخطر إلى أن تجد المؤسسات نفسها تُدار من الخارج، دون أن تدري.