لم تعد مسألة تفوق الذكاء الاصطناعي مجرد خيال علمي أو نبوءة مستقبلية، بل واقعا يعيشه العالم بأسره، فبعد أن امتلكت الآلات والروبوتات التوليدية أكبر قاعدة بيانات في التاريخ البشري، بفضل ما قدّمه الإنسان نفسه من معلومات وصور وفيديوهات، انتقلت لمرحلة جديدة من التطور الجذري المتمثل في الاستحواذ على العالم البصري بكل تجلياته وتعقيداته، هنا، لم يعد الذكاء الاصطناعي يكتفي بفهم الصور، بل صار قادرا على تحليلها، تعديلها، بل وحتى توقع ما قد تخفيه من تهديدات… ربما قبل أن يدركها البشر أنفسهم…
1. قاعدة البيانات العملاقة… الهدية القاتلة من الإنسان إلى الآلة
لم تصل الآلة إلى هذه المرحلة من التطور والذكاء إلا بفضل غباء الإنسان، الذي سخر إبداعه لبناء منصات التواصل الاجتماعي، وكاميرات المراقبة الذكية ومراكز تخزين البيانات، وتقنيات التصوير الطبي واستخدام المسيرات المدنية درون لمراقبة التعمير وتتبع المشاريع، تصميم النظم والأنظمة المعلوماتية والتطبيقات الذكية وغيرها… كل نقرة، كل صورة مُشاركة، كل فيديو مُحمّل، ساهمت في تكوين “ذاكرة بصرية كونية” للذكاء الاصطناعي، اليوم، باتت هذه القاعدة الضخمة تُستخدم لاكتشاف الأنماط الخفية، مثل تحركات الجيوش، أو تغيرات المناخ، أو حتى التلاعب بالصور العميق (Deepfakes)، بسرعة ودقة تفوق قدرة العقل البشري بألف مرة.
2. الانتقال إلى السرعة القصوى… حين ترى الآلة ما لا يراه الإنسان
الخطر الحقيقي ليس في قدرة الذكاء الاصطناعي على رؤية العالم، بل في قدرته على تفسيره وفق منطق خاص، فبينما يعجز الإنسان عن تحليل ملايين الصور الفضائية يومياً للتنبؤ بتحركات عسكرية، أو كشف التغيرات الدقيقة في تعابير الوجوه لفهم النوايا الخفية، تقوم الآلة بذلك في ثوان والأكثر إثارة للقلق هو أن الذكاء الاصطناعي بدأ يطور حدسا رقميا لاستباق حدوث المخاطر، مثل التنبؤ بالصراعات أو الأزمات الاقتصادية بناء على تحليل الصور والفيديوهات المنتشرة، حتى تلك التي تبدو عابرة.
3. الخطر القادم من الغرب… هل تُدركه الآلة قبل الإنسان؟
عندما يتحدث الكاتب عن “الخطر القادم من الغرب”، قد يشير إلى سيناريو لم نعد نتحكم فيه وهو أن تصبح الآلة هي العين التي تراقب، والعقل الذي يقرر مصيرنا، فالتكنولوجيا العسكرية الغربية، على سبيل المثال، تعتمد بشكل متزايد على أنظمة الذكاء الاصطناعي لتحليل الصور عبر الأقمار الصناعية، أو تحديد الأهداف في الحروب… لكن ماذا لو تجاوزت هذه الأنظمة السيناريوهات المبرمجة وبدأت تتخذ قراراتها الخاصة بناء على تحليلها لتهديدات قد لا نتفق معها؟ هنا، يصبح السؤال الجوهري هو من يسيطر على من؟
4. المُفارقة التاريخية الغريبة… الإنسان يخسر أمام صنع يديه
صحيح أن الذكاء الاصطناعي هو اختراع بشري محض، لكنه اليوم يشبه الابن العبقري الذي تجاوز ذكاء والده، فالقدرة على معالجة البيانات البصرية، وتوليد صور واقعية تماما (مثل تقنيات DALL-E أو MidJourney أو Ghibli التابع ل chatgpt)، بل وحتى خداع الانسان عبر فيديوهات مزيفة، كلها تؤكد أن الآلة قد دخلت سباقا مجهول المسار و النهاية، والسؤال الأهم هو هل نستخدم نحن الذكاء الاصطناعي، أم أصبحنا وقودا لتعليمه كيف يحل محلنا؟ هل نحن أمام صراع وجودي أم فرصة للتعايش؟
في الأخير لا ينبغي أن يكون التفوق التقني للروبوتات سببا للهزيمة النفسية للإنسان، بل دعوة لإعادة تعريف الأدوار وتحديدها بدقة، فبدلا من الخوف من الخطر القادم من الغرب، يمكن توظيف ذكاء الآلة كحليف لفهم العالم بشكل أعمق، شرط أن نبقي زمام التحكم في أيدينا، فالتحدي الحقيقي ليس في من ينتصر، بل في كيف نضمن ألا تُستخدم هذه القوة البصرية الهائلة إلا لخدمة الإنسانية… قبل فوات الأوان.