“الهجرة الجماعية.. إنذار بالخطر”

بينما كنا نعيش لحظات من الفخر بالتقدم الذي يحرزه المغرب في المجال التنموي، جاءت أحداث محاولات الهجرة الجماعية في مدينة الفنيدق عبر معبر باب سبتة المحتلة لتشكل صفعة قوية تنبهنا إلى قنبلة موقوتة تغلي في تفاصيل مجتمعنا، وقد تخرج عن السيطرة في أي لحظة.

على مدى عقود، كانت أخبار الهجرة السرية تملؤ مسامعنا، مما أدى إلى فقدان المغرب لعدد كبير من شبابه، الذين أصبح بعضهم طعاماً للأسماك في عرض البحر. لكن في هذا الوقت، لم تعد المحاولات فردية بل أصبحت جماعية، والسرية تحولت إلى علنية بفضل وسائل التواصل الاجتماعي.

هناك تناقض ملحوظ بين النجاحات المحققة في عدد من الأوراش وعدم انعكاسها الإيجابي على الواقع الاجتماعي، حيث يعاني 4.3 ملايين شاب مغربي تتراوح أعمارهم ما بين 15 و34 سنة من العطالة أو انعدام التعليم، مما يجعلهم يمثلون تهديداً لمستقبل المغرب. فوجود طاقات شابة بلا أهداف أو توجيه هو أمر قاتل للمجتمع.

نوع من الأمل لم تنجح فيه المشاريع الاجتماعية المختلفة مثل التغطية الصحية والدعم الاجتماعي المباشر. رغم الإنجازات في هذه المجالات، يظهر خلل ما يدفع شبابنا إلى المخاطرة بحياتهم في البحر، مما يدل على أن الهروب الكبير يملك أساساً اقتصادياً واجتماعياً.

ليس من العدالة إلقاء اللوم فقط على الحكومة الحالية في هذا النزيف، فالمسؤولية مشتركة وتهم جميع مؤسسات الدولة، بدايةً من المدرسة وحتى المجتمع المدني. لذا، يتطلب الحل صياغة جماعية لإعادة الأمل والثقة في نفوس الشباب، فالوضع الحالي لا يخدم أحداً.

لإعادة الثقة، يجب إطلاق حوار عميق ومفتوح حول هذه الأحداث، مع ضرورة تفعيل الإعلام العمومي بدلاً من تغطيته للأمور وكأنها غير موجودة. إن الشباب المثقف من حقه أن يشعر بأن له صوتاً في ظل غياب لكثير من حوارات الحكم.

كما أنه من المقلق أن نشاهد أطفالاً قاصرين ينخرطون في مغامرات الهجرة الجماعية، فمكانهم الطبيعي هو المدرسة وأسرهم وليس الحدود. وهنا، تتحمل وزارة التربية الوطنية مسؤولية إيجاد حلول لـ331 ألف طالب تركوا الدراسة كل سنة، فالمغادرة عن السلك التعليمي لا يمكن أن تقود إلى أي نتائج إيجابية.

الأحداث الصادمة من الفنيدق تستدعي وقفة تأمل، ولابد من التعاطي بجدية مع هذه الظواهر. يجب أن يتحمل الجميع مسؤولياته، بدءاً من الحكومة والمجتمع المدني وصولاً إلى الأسر، بدلاً من ترك الأمور تسير نحو الفوضى وترك الأجهزة الأمنية في مواجهة هؤلاء اليائسين.

عن مدار21

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى