بعد الإضرابات المتواصلة والاحتجاجات الدائمة التي يشهدها قطاع التعليم منذ مدة، بسبب المصادقة على “القانون الأساسي” الجديد الذي صاغته الوزارة الوصية، حيث لقي هذا النظام “رفضا شاملا” من اغلب الشغيلة التعليمية.
ويبدو أن ما يشهده “التعليم العمومي” من احتقان يرفع حظوظ وحظوة “المدرسة الخاصة”، بعدما صار هدر الزمن المدرسي، وفق متتبعين، “قدرا ملازما أمام انعدام أفق الحوار بين وزارة التربية الوطنية والشغيلة التعليمية التي نظمت تنسيقياتها ونقاباتها القطاعية إضرابات كثيرة خلال الفترة الأخيرة”، ليخرج أولياء التلاميذ لإعلان رفضهم من هذا الهدر الذي يعرفه الزمن المدرسي.
وقد اعتبر خالد الصمدي، تربوي وكاتب الدولة لدى وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي سابقا، أن “ما يجري يكرس الفوارق داخل المنظومة التعليمية لكونه يعكس نوعا من الارتباك في تنزيل مقتضيات الإصلاح، بعدما خرجت “مساعي الإصلاح” عن المنهجية والمبادئ التي رسمها القانون الإطار 51.17″، مبرزا أن “هذا القانون حدد معالم المدرسة وحدد آليات تطوير البرامج والمناهج، وأيضا قواعد ومبادئ مراجعة الأنظمة الأساسية الخاصة بالأطر الإدارية والتربوية”، مضيفا أن “الوضعية الحالية تشهد جوا مليئا بالاحتقان والرفض والتذمر؛ لأن هناك خللا واضحا في منهجية الاشتغال، نظرا لكون الوزارة اعتدت مقاربة قطاعية تجزيئية ملفاتية لا تستهدف إصلاح المنظومة في شموليتها”، موضحا أننا “صرنا نعالج كل ملف لوحده وبشكل منفصل: ملف الأستاذ لوحده، وملف المدرسة وحده، وملف المناهج لم نفكر به، ما يعني أن هناك مقاربة تجزيئية لا يمكن أن تؤدي سوى إلى إنهاك المدرسة العمومية”.
وأضاف المتحدث نفسه أن “قيمة المدرسة العمومية صارت تتضرر بشكل كبير لأن القانون الإطار 51.17 مُجمد والحل يكمن في الرجوع إلى تطبيق مقتضياته، لكوننا ذهبنا نشتغل على نظام أساسي للموظفين دون الحديث عن عناصر أخرى تشتغل بشكل حيوي داخل المنظومة التعليمية”، مشيرا إلى أن “المغرب كانت له خارطة طريق واضحة ومخططات وطنية جادة كان يمكن العودة إليها؛ مثل الدلائل المرجعية لمهام وكفايات الأطر التربوية والإدارية والتقنية”، مطالبا الوزارة ب “إنقاذ المدرسة العمومية وذلك بأن يأخذ رئيس الحكومة الملف شخصيا ويعقد اجتماعا عاجلا للجنة الوزارية الدائمة لمتابعة الإصلاح التي يرأسها هو، ويناقش الموضوع برمته مع المسؤولين الوزاريين والقطاعات الحكومية الأخرى”، وأفاد: “إذا ظل الملف لدى قطاع التربية الوطنية سيراوح مكانه، والمتضرر هو المدرسة العمومية والأساتذة والتلاميذ”.
وقال الخبير التربوي، الحسن مادي، إن “درجة التصعيد التي صرنا نشهدها في قطاع التربية الوطنية أجهزت تدريجيا على مصداقية المدرسة العمومية لأنها صارت تقدم صورة ليست بالضرورة صحيحة، وهي أن المدرسة لم تعد فضاء للدراسة، بل للإضراب”، معتبرا أن “هذا يكرس التمييز في المنظومة التعليمية، حيث هناك من يدرس بشكل عادي اليوم في المدارس الخاصة؛ لكن تلاميذ التعليم العمومي منذ شهر وهم ينتظرون بشارة ما”، ملفتا إلى أن “رجال ونساء التعليم غير مسؤولين عن هذه الوضعية الحالية لكونه لو تمت الاستجابة لبعض مطالبهم لما وصلوا إلى هذه الحالة من التصعيد والاحتقان”، مؤكدا أن “ما يبدو من المتابعة أن رجال ونساء التعليم وطنيون ولن يتراجعوا للحظة عن أداء واجبهم حين يشعرون بالإنصاف”، وأضاف: “يجب الخروج من وضعية تُشكل نقطة سوداء تمس مصداقية وهيبة وقيمة المدرسة العمومية، دفعت العديد من الآباء الذين لديهم إمكانيات إلى العدول عنها”.
وأوصح الحسن مادي أن “تاريخ هذه المدرسة التي تتضرر بشكل واضح الآن كان قويا ومشرفا، حيث كان حافلا بتخريج كفاءات عالية الجودة ظلت تتهافت عليها العديد من الدول الغربية”، معتبرا أن “الاحتقان ليس في صالح البلاد ولا في صالح المشاريع الكبرى التي تنجز اليوم في المغرب ولا في صالح أي طرف”، وزاد: الإشكال يبدو أنه قد بلغ مداه ونخاف أن يزداد أكثر، والحل في العودة عاجلا إلى الحوار، وإلا لن نستطيع رؤية التعليم العمومي بتلك الطرافة القديمة ولن نستطيع ضمان تعليم ذي جودة حقيقية لأبناء الفقراء”.
تابعنا على غوغل نيوز لتكون في قلب الأحداث ولتكسب جوائز قيمة